الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{وَكُلَّ إنسان ألزمناه طَئِرَهُ} عمله وما قدر له كأنه طير إليه من عش الغيب ووكر القدر، لما كانوا يتيمنون ويتشاءمون بسنوح الطائر وبروحه، استعير لما هو سبب الخير والشر من قدر الله تعالى وعمل العبد. {فِى عُنُقِهِ} لزوم الطوق في عنقه. {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القيامة كِتَابًا} هي صحيفة عمله أو نفسه المنتقشة بآثار أعماله، فإن الأعمال الاختيارية تحدث في النفس أحوالًا ولذلك يفيد تكريرها لها ملكات، ونصبه بأنه مفعول أو حال من مفعول محذوف، وهو ضمير الطائر ويعضده قراءة يعقوب، و{يخرح} من خرج و{يخرج} وقرئ و{يخرج} أي الله عز وجل: {يلقاه مَنْشُورًا} لكشف الغطاء، وهما صفتان للكتاب، أو {يلقاه} صفة و{مَنْشُورًا} حال من مفعوله. وقرأ ابن عامر{يلقاه} على البناء للمفعول من لقيته كذا.{اقرأ كتابك} على إرادة القول. {كفى بِنَفْسِكَ اليوم عَلَيْكَ حَسِيبًا} أي كفى نفسك، والباء مزيدة و{حَسِيبًا} تمييز وعلى صلته لأنه إما بمعنى الحاسب كالصريم بمعنى الصارم وضريب القداح بمعنى ضاربها من حسب عليه كذا أو بمعنى الكافي فوضع موضع الشهيد، لأنه يكفي المدعي ما أهمه، وتذكيره على أن الحساب والشهادة مما يتولاه الرجال أو على تأويل النفس بالشخص.{مَّنِ اهتدى فَإِنَّمَا يَهْتَدى لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} لا ينجي اهتداؤه غيره ولا يردي ضلاله سواه. {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى} ولا تحمل نفس حاملة وزرًا وزر نفس أخرى، بل إنما تحمل وزرها. {وَمَا كُنَّا مُعَذّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولًا} يبين الحجج ويمهد الشرائع فيلزمهم الحجة، وفيه دليل على أن لا وجوب قبل الشرع.{وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً} وإذا تعلقت إرادتنا بإهلاك قوم لإنفاذ قضائنا السابق، أو دنا وقته المقدر كقولهم: إذا أراد المريض أن يموت ازداد مرضه شدة. {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} متنعميها بالطاعة على لسان رسول بعثناه إليهم، ويدل على ذلك ما قبله وما بعده، فإن الفسق هو الخروج عن الطاعة والتمرد في العصيان، فيدل على الطاعة من طريق المقابلة، وقيل أمرناهم بالفسق لقوله: {فَفَسَقُواْ فِيهَا} كقولك أمرته فقرأ، فإنه لا يفهم منه إلا الأمر بالقراءة على أن الأمر مجاز من الحمل عليه، أو التسبب له بأن صب عليهم من النعم ما أبطرهم وأفضى بهم إلى الفسوق، ويحتمل أن لا يكون له مفعول منوي كقولهم: أمرته فعصاني. وقيل معناه كثرنا يقال: أمرت الشيء وآمرته فأمر إذا كثرته، وفي الحديث: «خير المال سكة مأبورة، ومهرة مأمورة» أي كثيرة النتاج. وهو أيضًا مجاز من معنى الطلب، ويؤيده قراءة يعقوب {آمرنا} ورواية {أَمْرُنَا} عن أبي عمرو، ويحتمل أن يكون منقولًا من أمر بالضم أمارة أي جعلناهم أمراء، وتخصيص المترفين لأن غيرهم يتبعهم ولأنهم أسرع إلى الحماقة وأقدر على الفجور. {فَحَقَّ عَلَيْهَا القول} يعني كلمة العذاب السابقة بحلوله، أو بظهور معاصيهم أو بانهماكهم في المعاصي. {فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} أهلكناها بإهلاك أهلها وتخريب ديارهم.{وَكَمْ أَهْلَكْنَا} وكثيرًا أهلكنا. {مّنَ القرون} بيان لكم وتمييز له. {مِن بَعْدِ نُوحٍ} كعاد وثمود. {وكفى بِرَبّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَا بَصِيرًا} يدرك بواطنها وظواهرها فيعاقب عليها، وتقديم الخبير لتقدم متعلقه.{مَّن كَانَ يُرِيدُ العاجلة} مقصورًا عليها همه. {عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ} قيد المعجل والمعجل له بالمشيئة والإِرادة لأنه لا يجد كل متمن ما يتمناه، ولا كل واجد جميع ما يهواه وليعلم أن الأمر بالمشيئة والهم فضل. {وَلَمَنِ نُرِيدُ} بدل من له بدل البعض. وقرئ {ما يشاء} والضمير فيه لله تعالى حتى يطابق المشهورة. وقيل {لِمَنْ} فيكون مخصوصًا بمن أراد الله تعالى به ذلك. وقيل الآية في المنافقين كانوا يراءون المسلمين ويغزون معهم ولم يكن غرضهم إلا مساهمتهم في الغنائم ونحوها. {ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يصلاها مَذْمُومًا مَّدْحُورًا} مطرودًا من رحمة الله تعالى.{وَمَنْ أَرَادَ الآخرة وسعى لَهَا سَعْيَهَا} حقها من السعي وهو الإِتيان بما أمر به، والانتهاء عما نهى عنه لا التقرب بما يخترعون بآرائهم. وفائدة اللام اعتبار النية والإِخلاص. {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} إيمانًا صحيحًا لا شرك معه ولا تكذيب فإنه العمدة. {فَأُوْلَئِكَ} الجامعون للشروط الثلاثة. {كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا} من الله تعالى أي مقبولًا عنده مثابًا عليه، فإن شكر الله الثواب على الطاعة.{كُلًا} كل واحد من الفريقين، والتنوين بدل من المضاف إليه. {نُّمِدُّ} بالعطاء مرة بعد أخرى ونجعل آنفه مددًا لسالفه. {هَؤُلاء وَهَؤُلاء} بدل من {كُلًا}. {مِنْ عَطَاء رَبّكَ} من معطاه متعلق بـ {نُّمِدُّ}. {وَمَا كَانَ عَطَاء رَبّكَ مَحْظُورًا} ممنوعًا لا يمنعه في الدنيا من مؤمن ولا كافر تفضلًا.{انظر كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ} في الرزق، وانتصاب {كَيْفَ} بـ {فَضَّلْنَا} على الحال. {وَلَلأَخِرَةُ أَكْبَرُ درجات وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا} أي التفاوت في الآخرة أكبر، لأن التفاوت فيها بالجنة ودرجاتها والنار ودركاتها.{لاَّ تَجْعَل مَعَ الله إلها ءاخَرَ} الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والمراد به أمته أو لكل أحد. {فَتَقْعُدَ} فتصير من قولهم شحذ الشفرة حتى قعدت كأنها حربة، أو فتعجز من قولهم قعد عن الشيء إذا عجز عنه. {مَذْمُومًا مَّخْذُولًا} جامعًا على نفسك الذم من الملائكة والمؤمنين والخذلان من الله تعالى، ومفهومه أن الموحد يكون ممدوحًا منصورًا. اهـ.
|